"نِعمَ المرضعة وبِئستِ الفاطمة"



...

التطلّع إلى المسؤوليات شهوة من شهوات النّفس، غالبا ما ترتبط بحبّ الظّهور والرّغبة في تسخير الآخرين والتحكّم في رقابهم، وتمتزج بالجنوح إلى جمع المال وبلوغ الشّهرة، إلا إن كان المتطلّع إليها يحمل مبدأ في هذه الحياة يسعى لتحقيقه، ويرى في المسؤولية وسيلة لبلوغ غايات نبيلة وتحقيق أهداف سامية يتعدّى نفعها إلى النّاس من حوله، ويلقى جزاءها الأوفر عند مولاه يوم يلقاه.

لعلّ من أكثر ما يؤسف له في هذا الزّمان، أن ترى في بلاد الغرب أناسا على درجة عالية من الوعي، يرون في تقلّد المسؤوليات فرصة لخدمة أوطانهم وترك بصماتهم في تاريخ بلدانهم، فيعرضون خدماتهم على شعوبهم، ويقدّمون برامجهم واقتراحاتهم للرقي بأوضاعهم.. فإذا تمكّنوا من المسؤوليات، انطلقوا ينفّذون وعودهم، ويفتحون أبواب المحاسبة لكلّ من أراد أن يحاسبهم بين الفينة والأخرى، فإذا انتهت سنوات خدمتهم، خرجوا من المسؤوليات معتذرين عن كلّ تقصير، وعادوا إلى مناصبهم ووظائفهم التي كانوا عليها قبل ذلك.. ترى كلّ هذا عند أمم الغرب، ثمّ ترجع بطرفك إلى بلاد المسلمين، فترى الأمر على النّقيض من ذلك!.. ترى جلّ من يتقدّمون للمسؤوليات ويحرصون على تقلّدها، علاوة على أنّهم لا يمتلكون أهمّ شرطين في تقلّد المسؤولية؛ القوة والأمانة، ((يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين))، وعلاوة على أنّهم لا يدخلون المنافسة ببرامجهم وأفكارهم، وإنّما بأموالهم ووساطاتهم؛ علاوة على هذا وذاك، فهم لا يرون في المسؤوليات سوى أنّها أقصر الطّرق للوصول إلى الثّراء والشّهرة، ولا أدلّ على ذلك من أنّ الواحد منهم ربّما يقدّم الرّشاوى وينفق الأموال من دون حساب، لأنّه يعلم أنّه قاب قوسين أو أدنى من منصب يمكّنه من تعويض ما أنفقه، في ظرف أشهر معدودة!

لقد وسّدت كثير من المسؤوليات، ومنها مسؤوليات خطيرة لها تأثيرها الواضح على حاضر ومستقبل بلاد المسلمين، إلى أناس لا هُم في العير ولا في النّفير، لا هُم أصحاب علم وحكمة، ولا ذوو قوة وأمانة، بل ولا تجد عند أكثرهم أيّ نية في الإصلاح أو التّغيير.. وهذا -لا شكّ- مِن أمارات قيام السّاعة، وفيه قال النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا ضُيِّعَت الأمانة، فانتَظِر السّاعة"، قيل: يا رسول الله، وما تضييع الأمانة؟ قال: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله، فانتظِرِ الساعة".

وبإزاء هؤلاء الذين يرون في المسؤولية مغنما ووسيلة لتحقيق وافر الأرباح، هناك صنف آخر من طالبي المسؤوليات، لا يطلبونها لأجل حظوظ فانية، وإنّما لأجل أن يخدموا أمّتهم وأوطانهم، لكنّهم لا يتحرّون في أنفسهم الأهلية لما يتطلّعون إليه، ولا يجدون من حجّة لهم سوى أن يقارنوا أنفسهم بمن حولهم من اللاهثين خلف المناصب... يطلبون المسؤولية، وعندما يُلقى إليهم بعضٌ من فتاتها، يجدون أنفسهم في وسطٍ هم أعجز ما يكونون عن تغييره، وليْتهم يعلنون عجزهم، ويسعون للخروج بأقلّ الأضرار، لكنّهم يرتضون لأنفسهم أن يتغيّروا بدل أن يغيّروا، ويُستخدموا لتنفيذ برامج وأجندات كثيرا ما تكون مناقضة تماما للبرامج التي كانوا يعرضونها، ومتضاربة مع مبادئهم التي كانوا ينافحون عنها ويعِدون بخدمتها والذّود عنها.. وهكذا حتى تتحوّل المسؤوليات التي تولّوها وبالا عليهم وعلى بلادهم وأمّتهم.. طغى عليهم الحماس فأعماهم عن تبصّر أحوالهم وتلمّس أهليتهم، وصدق فيهم قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "إنّكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة".

الأصل في المسلم، الذي يخشى الله والدّار الآخرة، ألا يطلب المسؤولية ولا يتطلّع إليها، لعِلمه بثقل أمانتها وشدّة الحساب عليها في الدنيا والآخرة لمن تقلّدها وهو يعلم أنّه لا يمكنه أداء حقّها أو أنّ الوضع لا يسمح له بذلك، ولهذا كان النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- ربّما يحذّر بعض أصحابه من طلب الوظائف والمسؤوليات، إذا رأى منهم ضعفا وعدم قدرة عليها، كما قال لأبي ذرّ الغفاري –رضي الله عنه- حينما التمس منه أن يقلّده بعض الوظائف: "يا أبا ذرّ، إنّك ضعيف، وإنّي أحبّ لك ما أحبّه لنفسي، وإنّها أمانه وإنّها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها، وأدّى الذي عليه فيها". وقال لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها". وقال للرّجلين اللّذين أتياه مع أبي موسى الأشعريّ يلتمسان بعض المسؤوليات: "إنَّا لا نُوَلِّي هذا الأمر مَن سأله، ولا مَن حرَص عليه".

هذا هو الأصل، لكنّه ربّما يباح وقد يُطلب من المسلم الذي يرى في نفسه الأهلية على إعطاء المسؤولية حقها، والثّبات أمام مغرياتها وضغوطها، أن يطلبها، كما فعل نبيّ الله يوسف عليه السّلام، حينما طلب من الملك أن يجعله على خزائن الأرض، لأنّه علم من نفسه الحفظ والأمانة، وعلم أنّ الملك وقومه أحوج إليه منه إلى المنصب، وأنّه سيكون سيّدا في منصبه، يعمل فيه بما يرضي الله وينفع العباد.. وقد أفتى أعلام الأمّة بأنّه يجوز لمن هو أهل للمسؤولية أن يتقلّد بعض المناصب الحسّاسة عند الحكّام والأمراء الذين يُعرف عنهم ظلم الرعية وهضم حقوقها، إذا كان تولّيه للمنصب يمكّنه من تغيير بعض الأوضاع وتخفيف المظالم عن النّاس، ولا يضطرّه إلى المشاركة في الظّلم، ولا إلى التّخلّي عمّا يجب عليه من أمور دينه.

ربّما يكون من العبث أن نوجّه كلماتنا إلى أولئك الذين حازوا مسؤولياتهم بالرّشاوى والطّرق الملتوية، وجعلوا غايتهم الأسمى خدمة مصالحهم ومصالح أقاربهم ومقرّبيهم، لأنّ الحديث عن الأمانة والحلال والحرام ربّما لا يجد طريقا إلى قلوبهم، لذلك، فنداؤنا موجّه إلى من تقلّدوا المسؤوليات وفي نياتهم أن يخدموا أمّتهم ويغيّروا شيئا من واقعهم، لنذكّرهم بخطورة ما تحمّلوه، وصعوبة الطّريق التي اختاروا سلوكها.. فالحذر الحذر يا إخواننا، إنّها أمانة عظيمة، والسّؤال عنها بين يدي الله عسير.. لا تركنوا إلى الدّعة والرّاحة ولا تستسلموا لليأس.. استعينوا بالله، واسألوه التّوفيق والسّداد، واستنصحوا الخيّرين من إخوانكم، واستعينوا بهم، ولا تذعنوا للّذين يريدون أن يجعلوكم جسرا يعبرون به إلى دنياهم ليفسدوا عليكم آخرتكم، ولا تركنوا إلى الذين يريدون لكم أن تكونوا مثلهم: ((وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُون)).. لا تخشوا في الله لومة لائم، ولا تستحوا من نصرة الحقّ والعدل، ومنابذة الباطل والظّلم.. تنبّهوا إلى كلّ من يريد أن يجتالكم عن رسالتكم وينسيكم أهدافكم، واحذروا مكر الماكرين، وإغراء الرّاشين.. ربّما تُمنّون بمناصب أعلى وحظوظ أوفر، مقابل التّنازل عن شيء من مبادئكم، وربّما تساومون لأجل أن تغضّوا الطّرف عن باطل يُلبس لباس المصلحة، فكونوا أعزّة بمبادئكم، أوفياء لأمّتكم، فإمّا أن تغيّروا أو تعذروا. 


إقرأ بقية المقال على الشروق.

Photos droles d'animaux

Les 10 pays les plus chers au monde pour vivre

Quiconque envisage de voyager et de visiter de nouveaux pays, villes et civilisations, ou de s'installer dans un nouveau pays, et de commencer une vie différente de celle qu'il menait auparavant, devrait lire ce rapport avant de faire quoi que ce soit, car vous pourriez être choqué de connaître le coût de vie dans certains de ces pays très petits et moins connus du monde. Voici une liste des 10 pays les plus chers à vivre dans le monde, basée sur les frais d'hébergement et de subsistance d'une personne vivant dans la capitale de chaque pays, et selon la population.

Photos droles d'animaux

Tourisme: 10 villes moyennes pour s’évader en France

Voici une compilation de 10 villes moyennes pour s'évader en France.

Photos droles d'animaux

Les photos d'animaux les plus droles!

Voici une compilation de photos réelles d'animaux capturées dans des positions droles.

Tourisme: 7 pays que vous pouvez visiter cet été sous conditions

Tourisme: 7 pays que vous pouvez visiter cet été sous conditions

La vaccination contre le virus Corona (Covid-19) pourrait ouvrir les portes de voyages dans de nombreux pays cet été. Quels sont les pays les plus en vue qui ont annoncé l'ouverture de leurs portes aux touristes au cours de la période à venir?

Population du monde en 2100

Les 10 pays les plus peuplés du monde en 2100

Le Programme des Nations Unies pour le développement (PNUD) prédit dans son dernier rapport que la population mondiale en 2100 sera de 10,88 milliards. Les pays les plus peuplés du monde ne seront plus les mêmes qu’aujourd’hui.


إقرأ أفضل وأرخص 5 وجهات عالمية للدراسة الجامعية في الخارج

مواقع أخرى