أن يدخل السيد موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية، في إضراب عن الطعام، ويتبعه السيد خالد بونجمة، بإعلانه صوما سياسيا عن الطعام، في عز شعبان، فذاك أمر لا يعنينا، لكن أن يربطا ما قاما به بما أسمياه بالتزوير واحتقار إرادة الشعب، على حدّ تعبيرهما، فمعنى ذلك أن رجال السياسة عندنا، من الذين يزعمون المعارضة، إنما هم بصدد تزوير الحقائق واحتقار إرادة الشعب، الذي ملّ السلطة وملّ هؤلاء الذين يريدون تعويض السيئ فيها، بما هو أسوأ. فإذا كانت السلطة قد احتقرت إرادة الشعب، كما قال السيد خالد بونجمة، وهو محق في ذلك، فإنها أيضا احتقرت إرادة الشعب، عندما سمحت لمثل هذه الأحزاب أن تنشط، ودعمتها معنويا وماديا لتكون جزءا من هذا الكرنفال السياسي.
الصائمان في عز شهر شعبان، يعلمان بأن أكثر من ثلثي الشعب قاطع الانتخابات، حسب الأرقام الرسمية، ليس بسبب الأداء الرديء للسلطة، وإنما أيضا بسبب غياب البديل الذي يملأ العين، ولا نقول يثلج الخاطر، ومع ذلك يصرّان، مثل بقية الأحزاب، على التعارك على أصوات الثلث الذي انتخب، ومنهم قرابة مليوني ناخب دسّ في الصندوق أوراقا بيضاء وملغاة. وهذا يعني أن مطالبة الصائمين بقطعة الكعك التي هي حاليا في صحن وربما في معدة بقية الأحزاب، إنما هي في الحقيقة مطالبة بكعكة منتهية الصلاحية ومتعفنة، ليست ملكا لأحد.
لقد عجز السياسيون عندنا عن إقناع المواطنين بـ"التهريج" الذي يقومون به، ولم يتمكنوا من تحريك المشاعر والهِمم، منذ أن حصلوا على اعتماد النشاط السياسي، وهم يحيطون من حول القصعات المتخمة بكل أنواع الأطعمة، فما بالك أن يدخلوا في إضراب "رمزي" عن الطعام، بعد أن منحتهم "بقايا صناديق" الاقتراع الأصفار، وكانت "الصناديق الحقيقية" قد منحت السلطة الأصفار أيضا.
نكاد نجزم، وبعض الأحزاب التي تزعم المعارضة، والتي تسمي نفسها بالإسلامية، وبعض رجالاتها يقصفون السلطة ويتهمونها بتزوير الانتخابات والسطو على حقهم- أو كما قالوا- احتقار إرادة الشعب، بأنهم، اتفقوا معها على لعب سيناريو جديد، يمثلون فيه معها، دور الحاكم والمعارض الشرس، أمام شعب، غادر "صالات السينما" من زمن "الأبيض والأسود"، وما عادت تهمه هذه الأفلام "القوس قزحية" بألوانها الكرنفالية المزركشة.
في سنة 1932 عندما تمادى الاستعمار البريطاني، في قهر الهنود، والتمييز بينهم في الانتخابات، أعلن المهاتما غاندي صياما حتى الموت، ولأن الرجل كان رصيده النضالي "يفطر" تضحية ونشاطا وإخلاصا لشعبه ولمبادئه، سارت معه كل الهند، وأعلنت صياما حتى الموت، فانتصر على الإنجليز، وأجبرهم على اتفاقية "بونا"، التي رفعت من عدد النواب الهنود في البرلمان، وألغت التمييز الذي أقرته بريطانيا. ويمكن بعد هذا أن نفرق بين صيام غاندي وصيام خالد وموسى.
فقد قال الشاعر القروي رشيد سليم الخوري واصفا صوم غاندي:
فما مسّ هذا الصوم أكباد ظلّم... ولا هزّ هذا الفِطر أرواح نوّم
لقد صام هندي فجوّع دولة... فهل ضار عِلجا صوم مليون مسلم