انعقدت بمقر المجلس الاسلامي الأعلى الاثنين الماضي ندوة في موضوع مميز كانت مبادرة صناعة الغد أطلقته ضمن فعاليات الملتقى العلمي الدولي لمعهد التكوين الديني بتمنراست قبل أشهر ويتعلق الأمر بمنظومة اليقظة الروحية كمدخل لتحقيق نهضة المسلمين آفاق القرن الثاني والعشرين . طرح الفكرة في هذا الوقت بالضبط وفي الأجواء الروحية للشهر الكريم وفي الأيام الأواخر التي يعرفها الحديث الشريف بأيام ( العتق من النار ) يحمل أكثر من دلالة خاصة مع تنامي السلوك العنفي في المجتمع وتوسع المظالم بين الناس وزيادة نسبة الجريمة والانحراف . قرن الفكرة الثقافية القرن القادم سيكون قرن الفكرية الثقافية بامتياز حيث يحتل المتغير الروحي موقعا استراتيجيا وقد بدأت الاشارات الأولى تؤكد ذلك في الثلث الأول من القرن الحالي خاصة بعد إطلاق قانون مكافحة الارهاب عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا ، ومن ثمة الشروع في تفكيك المنظومات ذات العلاقة بالهوية وعلى رأسها المنظومة الدينية والتربوية واللغوية ومنظومة القيم ، والعملية ليست اعتباطية البتة بل تندرج في تصميم المستقبل الذي يحكم العلاقات بين الدول منذ القرن التاسع عشر أي قرن الفكرة الاستعمارية . ومن زاوية نظر نهضة المسلمين فالأمر يتعلق بفكرة القرن القادم لأن القرن الحالي الذي هو قرن الفكرة الإقتصاية قد تم نسج علاقاته خلال الثلث الأول من القرن الماضي عندما تم تقسيم الدول الاسلامية على أهداف مصادر الطاقة من جهة وتقسيم الدول غير الاسلامية على أهداف الحروب العالمية ، ومن ثمة فقدت الدول الاسلامية مجتمعة دورها الاقتصادي ضمن فضاء التنافسية بين الدول وتحولت الى مجرد أسواق للدول الصاعدة والإستراتيجية . أما استشراف القرن القادم فلازال به فرصة تاريخية أخرى لهذه الدول بشرط الشروع في عمليات اليقظة الاستراتيجية ومنها اليقظة الروحية . اليقظة الروحية وتعني اليقظة الروحية الاستعداد لمواكبة العمليات الجارية لتصميم فكرة القرن القادم بأن تقتنص الأمة الاسلامية الاشارات الكامنة في الحياة الروحية للمسلمين قصد توظيفها في إعادة تشكيل الوعي وصياغة السياسات المختلفة حتى لا نفقد مرة أخرى محتوى الفكرة كما وقع مع القرون الثلاثة الأخيرة والتي جسدت بالترتيب الفكرة الاستعمارية ثم السياسية وأخيرا الاقتصادية . الأمر يتعلق بخطة طريق مندمجة بين كافة القطاعات ذات العلاقة بالهوية والدين والثقافة والتعليم والفن تسمح بإدماج المتغير الروحي في تحقيق فعالية الأفراد والعائلات أي في تعزيز نظام الحوافز في الأمة ، والأمر لا يقتصر على المسلمين بل ينصرف أيضا لجميع السكان ولو من ديانات غير الاسلام حيث يحتل المتغير الروحي قيمة حضارية أثبتت نجاعتها ضمن التجربة التاريخية للأمة . وبتعبير آخر هناك ضرورة ملحة للاستثمار في المخزون الروحي للشعوب الاسلامية باعتباره القاطرة الحيوية في تحقيق اليقظة ومن ثمة النهضة خاصة وأن نفس المخزون يقتصر حاليا على الشكل دون المحتوى أي على الشعائر دون التأثير في ميزان القوة الحضارية بين الدول ، كما أن مشكلات العائلات والشباب والعاطلين عن العمل والمظلومين والمهمشين في المجتمع تستدعي فعلا معالجة مبنية على الشق الروحي لما له من ميزة في التربية الدينية والتوجيه العام . الجانب التطبيقي ومن الجانب التطبيقي لا تخلو اليقظة الروحية من حلول فنية لإثبات قدرة المنتج الديني والمنتج الروحي على إفراز إشارات استقرار ونجاعة السياسات العمومية للدولة . وعلى سبيل المثال يمكن لمتغيرين اثنين هما ( المد الغيبي ) و ( تقوى الله ) أن يحدثا تغيرا ايجابيا على منظومة السلوك العام وكذا السلوك الاقتصادي للأعوان من مستهلكين أو مستثمرين إضافة الى استقرار منظومة القيم وخاصة القيم المشتركة التي تخص البيئة والعلاقات الأسرية والعلاقات بين الأفراد . نعم ، وفي المضمون الوطني الموضوع يتطلب رؤية متجددة لفهم مقاصد الشريعة الاسلامية كشرط أساسي في تحقيق اليقظة الروحية التي هي أحد منتجات مبادرة صناعة الغد بالجزائر ، رؤية متكاملة يحسن استغلالها في اتجاه جمع الأمة على فهم واحد وسليم لمعاني الاسلام والفقه الاسلامي وذلك تجنبا للفرقة وتحقيقا لاستشراف المستقبل فيما له صلة بالعلوم الشرعية ومن ذلك تحقيق إشارات الوحدة والمرجعية الفكرية وضبط المصطلحات وتوضيح معاني الاسلام بشكل صحيح كما بين ذلك بالتفصيل الداعية الجزائري محمد العربي الشايشي في أعماله الأخيرة . Messaitfa.bachir@gmail.com