منذ أسابيع حدثتني عن ولعها بالمغني القبائلي المتمرد معطوب لوناس، تفاجأت بذلك، لأنها من جيل جديد ولا تعرف القبائلية ولم أحدثها في السابق عن صديقي الذي قتل غدرا في 25 جوان من عام 1998 من قبل مسلحين وهو عائد إلى بيته، كانت بنتي ملمة وهي تحدثني عن شهيد الهوية الأمازيغية بتفاصيل حياته ونضاله ونظرته إلى الحياة، وفي الحقيقة شعرت بالرضا أن تكون لاميس ذات السادسة عشر مهتمة بفنان ملتزم ومتمرد وعميق لأن مثل هذا الاهتمام يجعلني أستعيد الأمل في أن الجيل الجديد لم يُسلم في جزائر حرة ومتعددة وغير خانعة مدام هناك من بناته وأبنائه من لازالوا يجعلون من شخصيات فنية ومناضلة في سبيل كرامة وشرف الثقافة المختلفة مثالا لهم في حياتهم وهم في بداية الطريق. طلبت مني ابنتي رؤية ضريح معطوب لوناس، فتوجهنا رفقة صديقي مرزوق الذي شاركني صداقة كاتب ياسين في الثمانينيات إلى بلاد القبائل، وهناك توقفنا لحظات أمام منعرج الطريق غير البعيد عن تيزي وزو، أين أطلقت عليه رصاصات حاقدة وسقط على إثرها قتيلا. وطيلة الطريق وأنا أفكر كيف نصب له القتلة الكمين في مثل ذلك المكان والزمان، وكيف تمكنوا من الهروب دون أن يتعرضوا لأي ملاحقة أو خطر.. وصلنا على الساعة التاسعة صباحا، وجدنا بعض الشباب من عشاقه قادمين من بضعة قرى مجاورة ومن البويرة وبجاية. فتحت مؤسسة معطوب حيث توجد بعض الصور والكتابات عن الفنان المغدور على الساعة العاشرة، رأينا قبل ذلك السيارة المشوهة "باكير" من سبعين رصاصة التي كان يقودها ووقفنا مترحمين إليه في ضريحه. اليوم عيد وها نحن نُحيي ذكرة اغتياله البشع والجبان بعد تسعة عشر سنة على اغتياله، ومع ذلك الحقيقة لازالت لم يرفع عنها الستار، فالمجموعة المسلحة التي استهدفت معطوب قتلته أياما قبل صدور ألبومه الذي كان ينتقد فيه السلطة ومستعملا فيه لحن نشيد قسما، وفي الوقت نفسه ظل ينتظر جواز سفره الذي تم التأخر فيه تأخرا لافتا.. لقد توفي أهم فنان جزائري وهو في أوج العطاء والعمر، لقد ولد معطوب في العام 1956 وظل صوتا منفردا يغرّد خارج السرب، انتقد الضباط القبائل الذين تنازلوا لبومدين عاقدين معه صفقة التخلي عن رفاقهم المجاهدين الذين ثاروا ضد الاستبداد والتسلط، في الستينيات وانتقد حلف آيت أحمد - بن بلة عندما التقيا في أوروبا وتحالفا ضد النظام لكن دون أن يقدما الحقيقة عمّا حدث في تمرّد القبائل ضد نظام أحمد بن بلة وناصر الربيع الأمازيغي والديمقراطي من 1980 إلى وفاته الدرامية.. إنّ معطوب لم يكن مغنيا عاديا، بل كان نبي الجزائر الجديدة التي لاتزال تناضل ضد أعدائها الداخليين، لكن ضد من خانوها لتكشف عن وجهها الحقيقي والأصيل ذات يوم.