هناك حزب سرّي بدأ تشكله في الجزائر منذ سنوات وبات قويا ومؤثرا في السنوات الأخيرة، بحيث تحوّل إلى درع للدولة السعودية في الجزائر، وهو ما يمكن تسميته بالجند الاحتياطي الوهابي في الجزائر، وما كانت عليه تعوّل السعودية في حال اشتداد نزاعها في منطقة المغرب الكبير مع منافستها إيران وذراعها الشيعي الذي بدأ يعبّر عن نفسه خاصة بعد الثورات العربية في كل من تونس والمغرب والجزائر كتيار ثقافي، لكن أيضا مع القوة الإسلامية المنافسة (الإخوان) التي وجدت رعاية من دولة قطر.. ويتشكل هذا الاحتياط الوهابي من الذين أنقذوا من موجة الجهادية التي عرفتها الجزائر في التسعينيات وتحوّلوا إلى النشاط التجاري والدعوي البرغماتي الجديد، وجعلوا من السعودية - الجزائر من خلال رحلات العمرة محورا لنشاطهم وتحركهم الجديد، ويحمل هؤلاء تجربة قديمة في النشاط السياسي والدعوي، لكنهم يفضّلون الاحتجاب وعدم تصدر المشهد العام والتركيز على العمل في الظل، وتأتي الفئة الثانية من الجيل الذي أفرزته حقبة ما بعد الإرهاب، وهو بعيد عن تأثيرات السلفية الحركية السياسية والجهادية وأعمار هذه الفئة عموما دون الثلاثين، وهي قابلة للتجنيد للدفاع عن الإسلام الرسمي السعودي وتبني مواقفه السياسية، لذا فهي غير منزعجة من التحولات الجديدة في السعودية كونها مرتبطة بالمواقف التقليدية لهيئة كبار العلماء الذين عبّروا عن التزامهم بقرارات ولي العهد محمد بن سلمان، وتستفيد هذه الفئة من المجندين من الريع السعودي، وهي منتشرة داخل المؤسسات الرسمية الدينية في الجزائر وفي المدن الحسّاسة المحسوبة على غير الإسلاميين مثل منطقة القبائل.. ويسعى الوهابيون الجزائريون إلى الاستثمار في الموروث الديني الجزائري، متجنبين لفت الاعتماد على لغة تبدو غريبة عن الجزائريين، ومن هنا استعادوا عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء التي كانت في السابق تشكل مرجعية تيار ما كان يسمى بالجزأرة، وعملت السعودية على إعادة كتابة سيرة ابن باديس من خلال مثقفيها العضويين وإعادة إدماجه في الإطار والتصور السعودي. وعلى ضوء بعض هذه المعطيات، تكون سعودية محمد بن سلمان قد استبقت التوجه الجديد والصدمة الأخيرة، وذلك من خلال عملية ذكية في جزأرة الوهابية وإدماجها في خطتها الجديدة من أجل تجذير توغلها وتثبيت هيمنتها على المجتمع التقليدي والديني في الجزائر أمام الحلف الثقافي التركي، الإيراني والسوري في الجزائر، فهل ستنجح السعودية في كسب جولتها الجديدة في الجزائر وهي تتأهب لتدشين حقبة دولتها الرابعة؟.