الصادق سلايمية

مصادرة الأغراض ومصادرة المقاومة

بقلم الكاتب الصحفي: الصادق سلايمية saddekselaimia@gmail.com تغلي حاليا الكثير من صفحات التواصل الاجتماعي بالحديث عن ظاهرة مصادرة الأغراض في مطار هواري بومدين الدولي بالنسبة إلى مسافرين جاؤوا من العراق الشقيق، محمّلين ببعض الأغراض التي لا تمثل أي شيء بالنسبة إلى قيمتها المادية ولا تشكل أي خطر على الأمن العام ولا على المرجعية الدينية في الوطن الحبيب لأنها ليست بالأقراص المضغوطة ولا بالكتب الداعية إلى التفرقة، وهي تتعلق بقطع قماش خضراء وكتب لا تدعو إلى الفتنة ولا إلى الطائفية؛ مثل كتاب في الطب منسوب للإمام علي بن أبي طالب وأدعية وأتربة وقنينات ماء جاء بها أصحابها للاحتفاظ بها كذكرى مباركة وبركة لا تضر أحدا ولا تفسد الإيمان في قلب أحد، ويتشكل هؤلاء الذين صودرت أغراضهم من جميع فئات المجتمع وعلى قدر عالٍ من الفهم والرزانة والثقافة ومنهم الإطار الكبير أيضا، وقد تحدّثت مع واحدة من هؤلاء وهي إطار في العدالة، فقالت "لقد كنت برفقة أمي وأخي وكنت أرى تلك الأغراض العزيزة على قلبي وعلى قلب الوالدة وكيف تمتد إليها تلك الأيادي التي تفتش بدقة وتضعها جانبا حتى قنينات الماء، وكمسؤولة اضطررت إلى تقديم نفسي وقلت للمعني الذي يصادر هذه الأغراض هاتني بالقانون الذي يبيح لك ما تفعل وتستفز به القادمين على وطنهم بكل شوق، فتدمي أنت قلوبهم بهذه المصادرة التي ليست من القانون في شيء"، وقالت "كأني أحدث جدارا لا يسمع ولا يعي ولم أتورط أكثر في مناقشته أمام حزن الوالدة ودهشتها حتى لا تصاب برعشة أو سكتة قلبية أمام هذا الاستفزاز، وقررت أن أذهب بعيدا في القضية ولن أسكت عنها، ما دمت مسؤولة وأمثّل القانون وأطبّقه على نفسي قبل أن آمر به الناس". العجيب أنّ مثل هذا الإجراء لا يطبّق على القادمين من المملكة العربية السعودية، مثلا الذين تجدهم مثقلين بالأشرطة المسموعة والأقراص المضغوطة وكتب الجيب الصغيرة التي تتحدّث عن تكفير تارك الصلاة وإباحة دمه وتفسيق من حلق لحيته، وأنّ شهادته لا تجوز لأنه أتى بما يخرم المروءة على حد زعم أولئك الفقهاء، والمساجد معبأة بمثل هذه الكتب والمطويات التي صنعت في الجزائر بعد الفتنة وقبلها جيلا فيه كل الجينات الإرهابية، ومصالح المطار والموانئ الذين يغضون الطرف عن هذا الإرهاب ويتركونه يمرّ باسم البقاع المقدسة يساهمون إلى حد بعيد في تخريب أوطانهم ويعتبرون خونة بالنظر إلى القانون لأنهم يسمحون لجينات القتل والحقد أن تترعرع بكل حرية بعد مرورها من هناك في قلوب الملايين الذين يقرؤون تلك الكتيبات أو يسمعون تلك الأقراص، بينما ولحاجة في نفس يعقوب يستفزون قادمين من وطن لطالما كان عضدا للثورة الجزائرية وخصّص ميزانية للثورة يقتطعها من قوت الشعب العراقي البطل، فيصادرون ما يذكر الجزائريين الذين زاروه بمقدساته وعطاياه، بينما يباركون ويغضون الطرف عن فكر الإرهاب وهو يمرّ في شكل كتب وأقراص من الدولة التي لم تستطع فرنسا أن تفتك من غيرها فتوى بتحريم الجهاد ضدها من قبل الشعب الجزائري، ولم يتورط الأزهر الشريف في هذا العار ولكن تلك الدولة بمجمع الافناء فيها أصدرت فتوى بوجوب طاعة فرنسا كولي لأمرنا وتحريم من يثور ضدها بالسلاح. بالتزامن التقريبي بين الأمس واليوم والأيام تتشابه، فيوم الأحد الماضي 19/11/2017م مباشرة مع القضاء على آخر معاقل الإرهاب الداعشي في سوريا والعراق، يجتمع باسم الجامعة العربية وزراء دول العرب للخارجية بطلب من المملكة التي حرمت إبان الثورة الجهاد في الجزائر ليس ليدينوها على ما تفعله بشعب أعزل مستضعف، وهو الشعب اليمني الذي تصب عليه طائرات التحالف العربي جحيمها كل يوم، وليس ليباركوا لسوريا والعراق هذا الانتصار على الهمجية والقتل الذي ساهمت فيه تلك الدولة تدعيما للدواعش، وليس لإدانة ونفي ما صرح به وزير صهيوني بأن دولا عربية وعلى رأسها السعودية يقيمون معنا علاقات وتحالفات سرية على أحسن ما يرام، وقد عبر النائب حسن عريبي في بيان له على صفحته الرسمية عن هذا الشذوذ "وعلى افتراض أنّ هذا التصريح كاذب من قبل هذا الصهيوني، فلماذا لا يكون هناك تكذيب من قبل الدول المعنية التي ذكرها هذا الصهيوني، حيث أشاد بالدور السعودي في النقلة النوعية والتحول من دولة التوحيد إلى الشراكة الأمنية لمحاربة ومقاومة الإرهاب مع إسرائيل على حد زعمه؟". إنّ هذا الصمت الرسمي العربي يوضح بجلاء حجم التواطؤ والدور المنوط بالأنظمة العميلة في العالم العربي في الفترة القادمة تجاه المقاومة أيا كانت... طبعا ولا ننسى في هذا التغييرات الكبيرة التي تقوم بها بعض دول الخليج في سبيل سلخ المنطقة من هويتها ودينها وعروبتها، ورميها كمومسة على شوارع نيويورك وباريس!! ... ذلك الانسلاخ الذي عبّر عنه وزير الخارجية الإماراتي في زيارته لواشنطن، بأن دول الخليج وبما فيها السعودية تطمح لأن تكون دول علمانية على مدى العشر سنوات القادمة ... البيان الختامي لهؤلاء المجتمعين هو تجريم حزب الله الذي رفع رؤوس العرب بانتصار على الصهاينة لا مثيل له في تاريخهم الحافل بالانهزامات، وقبل هذا تم تجريم حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين على لسان الملك سلمان بين يدي ترامب الذي جمع دول العرب، ليعلنوا له بتلك الإدانة للمقاومة الشريفة أنهم مع الصهاينة سمنا على عسل.