البلاد - خديجة بلوزداد - تصاعدت أهمية شبكات التواصل الاجتماعي وتحوّل ”الفيسبوك” في الجزائر من مجرد شبكة للتواصل إلى أشهر موقع للتعاطي مع القضايا اليومية، وبات هذا الموقع وسيلة ناجعة لتنظيم الاحتجاجات، بل الإطاحة بأنظمة حكم ديكتاتورية، وأصبح لـ«الفيسبوك” في الجزائر ذاكرة استقطاب لا تزال آثارها حيّة حتى الآن منذ22 فيفري الماضي، حيث كانت ولا تزال هذه الوسيلة أكبر وأهم وسائل التواصل الاجتماعي التي أنجبت الحراك الشعبي السلمي الجزائري، تحت شعار ”سلمية سلمية”، وهو ما دفع بعجلة المطالبة بتغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية وتغيير جذري للنظام.
تجاوز الحراك الشعبي السلمي الذي تعيشه الجزائر منذ شهور مناطق الوطن إلى العواصم والمدن الأجنبية التي توجد بها الجالية الجزائرية، وذلك بفعل حرية النشر والتفاعل وسرعة نقل المعلومة في وقتها وعلى المباشر لتصل إلى كل أرجاء العالم، والذي أدهش كل النخب السياسية والشعوب المتابعة لهذه المسيرات، التي يمكن أن نقول إنها فريدة من نوعها وأعطت للعالم صورة مشرفة عكس التي كان يظنها معظم الأجانب، والتي بدورها أدخلت وصنفت المسيرات الشعبية الجزائرية ضمن قائمة المسيرات والشعوب المنظمة.
ويمكن القول إن ”الفيسبوك” تمكن من صناعة وعي وقيم المواطنة في الشعب، خاصة لدى الشباب الذي تفاعل وتحلى بالحكمة والتعقل وعدم اللجوء للعنف، مثلما روجت له كل المنشورات التي تم تداولها عبر الفضاء الأزرق في الأشهر الأخيرة، ليتحول بذلك إلى ”جيش” خرج من العالم الافتراضي متشبعا بالروح الوطنية، استطاع تحقيق جزء من مطالبه، ولا يزال يواصل. كما استطاع ”الفيسبوك” منذ أول مسيرة سلمية في 22 فيفري الماضي، إقامة مجتمع مدني حقيقي أطر نفسه، وقدم صيغة جديدة للمجتمع المدني، مقدما درسا في المواطنة للجمعيات والأحزاب السياسية التي فشلت في هذه المهمة منذ عشرات السنين.
وكان تأثير ”الفيسبوك” قويا وكافيا لإخراج حشود كبيرة وكبيرة جدا بفعل الآنية وتوفير المعلومة في وقتها، من خلال تفعيل ونشر فيديوهات مباشرة من مختلف ولايات الوطن، وتحول الفضاء الأزرق إلى وسيلة إعلامية جديدة، بل وأصبح ينافس الإعلام في الجدية والآنية في نقل الأخبار. في هذا السياق، أكد الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، الدكتور يونس قرار، في تصريح لـ«البلاد”، أن ”الفيسبوك” كان وسيلة جد قوية للتواصل بين المواطنين وتبادل الأفكار وتوحيد الرسائل، وتمكن الفضاء الأزرق من فك القيود ونشر الو عي السياسي والنهوض بفكرة القضاء على الفساد، حيث اختزل عمل كل وسائل وأجهزة الاتصال، انطلاقا من سرعة نقل المعلومات والتأثر بها على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال السرعة والآنية في الانتشار.
وأضاف المتحدث بأن هذا الحراك يظهر بأنه لا يمكن أن يتوقف، بل سيستمر إلى غاية تجسيد مطالبه، نظرا لاتساع رقعته والتحاق عدة جهات به يوميا، مما سيشكل ضغطا كبيرا على السلطة التي لا تستطيع في الوقت الحالي، إنتاج محتوى في الاتجاه المعاكس للتشويش على الحراك وتشتيته حتى وإن أرادت ذلك، كون هذا المحتوى يتطلب وسائل ضخمة ووقت أطول واستراتيجيات تفتقدها السلطة ولا تتحكم فيها. وأشار المتحدث في السياق ذاته، إلى أنه على الشباب التعقل والتريث لمحاربة الذباب الإلكتروني، الذي حاول مرارا التغلغل واختراق الحراك وضربه، حيث تقوم أطراف بالترويج لأفكار كمحاولة لكسر الحراك، غير أن الأعداد الهائلة التي تعد بالملايين والملتفة حول فكرة وهدف واحد، تمكنت من التغطية على ما يقوم به الذباب لأن الشعب أصبح يستعمل الذكاء الجماعي وينشر الأفكار الإيجابية بشكل قوي، فيتم بالتالي إخفاء المناشير المشوشة، والتفوق على ما اصطلح عليه الذباب الإلكتروني بطريقة عفوية.
وأشار الدكتور المختص في تكنولوجيات الاتصال، إلى أن نجاح الحراك الشعبي واتساعه يوما بعد يوم، يرجع إلى ارتفاع عدد مستعملي ”الفيسبوك” في الجزائر، والذي يصنف في المرتبة الأولى من حيث مواقع التوصل الاجتماعي الأكثر استعمالا بـ22 مليون مشترك، أي ما يمثل 50 بالمائة من عدد السكان، حسب الأرقام التي قدمتها أرضية ”أليكسا”، وكذا إلى اللغة البسيطة المستعملة في ”الفيسبوك” التي يفهمها عامة الناس مما يسهل وصول الرسائل لكل الفئات.
وذكر المختص أن من مميزات وسائل التواصل الاجتماعي هي الشبكات، أي بمعنى أنه يمكن أن تتكون هذه الشبكات عبر خلايا صغيرة متماسكة، لتتسع وتكوّن دائرة كبيرة، فضلا عن كون هذه الوسائل من مميزاتها أنها لا ترتبط بعنصري الزمان والمكان، أي أنها تصل إلى أبعد نقطة ممكنة، وفي ظرف زمني قصير. وأضاف محدثنا، أن ”المحتوى في ”الفيسبوك” ينتقل عن طريق النشر والمشاركة، ويكون إما بطريقة شعورية أو غير شعورية، ويتحرك بفعل منطق الشبكة، وينتشر هذا المحتوى بسرعة عن طريق التنشيط العفوي، أو عن طريق الدفع لأسباب سياسية أو مادية، لتكون نسبة التأثير كبيرة.