نشر المراسلان الرئيسيان لصحيفة “لوموند” الفرنسية، جيرار دافيت وفابريس لوم، كتابا جديدا يحمل عنوان “الخائن والعدم” (Le Traitre et le Néant)إذ يقدم تقييما نقديا لفترة الولاية الرئاسية لإيمانويل ماكرون.
ويشير الصحفيان إلى أن الكتاب لا يعتبر “محاكمة”، لكنه يكشف كواليس صعود إيمانويل ماكرون إلى كرسي الرئاسة والفراغ الأيديولوجي الذي تعانيه حركة “إلى الأمام”. وهذا ما يوضح اختيار العنوان: “الخائن” هو إيمانويل ماكرون، و”العدم” هو سياسته ونزعته الكبرى.
ويذكر الجزء الأول من الكتاب أن الماكرونية (نسبة إلى ماكرون) ولدت من الخيانة لرسم مسارها، إذ كان على ماكرون قتل والده الروحي فرانسوا هولاند ليصبح رئيس الجمهورية الجديد.
ويشير الكتاب إلى أن هولاند هو الذي منح ماكرون الفرصة بتعيينه نائبا للأمين العام في قصر الإليزيه عام 2012، ثم وزيرا للاقتصاد عام 2014. أو كما وصفه وزير الاقتصاد والمالية السابق، بيير موسكوفيشي، في شهادته “المقرب من الرئيس.. الذي يتمتع بكاريزما النخبة.. لم يخن اليسار، بل قتل رئيسا وضع نفسه في وضع مميت”.
وأكد الكتاب هذه المنهجية إذ أحاط إيمانويل ماكرون نفسه برجال أعمال مؤثرين وأثرياء، مثل هنري هيرمان وكلود بيردريل. ويذكر رفيق دربه المحامي، جان ميشال درويس، أن ماكرون أخبره أنه يريد أن يكسب المال ليصبح ثريا قبل ولوج عالم السياسة.
ففي 16 نوفمبر 2016، أعلن ماكرون ترشحه للانتخابات الرئاسية بشكل رسمي، قبل أسبوعين من إعلان هولاند عدم رغبته في الترشح لمرة ثانية.
الكتاب تضمن شهادات أكثر من 100 مسؤول
وتعود إحدى أهم الشهادات التي يتضمنها الكتاب إلى عضو الجمعية الفرنسية عن حزب الجمهوريين أوليفييه مارليكس الذي أشار إلى وجود اتهامات وشبهات رشوة تحوم حول صفقة بيع المجموعة الصناعية الفرنسية “ألستروم” إلى شركة “جنرال إلكتريك” الأميركية التي تمت عندما كان ماكرون وزيرا للاقتصاد.
كما يتضمن الكتاب شهادة رئيس الأركان السابق في القوات المسلحة الفرنسية فيليب دوفيلييه الذي قال إن الرئيس الفرنسي ماكرون حاول شراء سكوته ووعده بمنصب أفضل وتقاعد مريح.
كما يسلط رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي أوليفييه فور الضوء على تمويل الحملة الانتخابية لماكرون الذي لم يكن يملك شيئا حينها على عكس التشكيلات السياسية الأخرى، قائلا “نحن نعلم أن هناك من قدم المال لتمويل حملة باهظة الثمن. هناك أشخاص يدركون جيدا أين تتوجه مصالحهم”.
ويقول مؤلفَا الكتاب إن اسم الحركة “إلى الأمام” اختير في الأخير بمباركة من بريجيت ماكرون التي كانت تدعم وتحضر معظم اللقاءات.
وذكر ألكسندر بنعلا المكلف سابقا بأمن الرئيس أن ماكرون كان حذرا للغاية؛ ففي أحد الأيام، أحرق الأوراق المتعلقة بحملته الانتخابية في منطقة بروتاني، على بعد 400 كلم من باريس، لأنه لا يترك شيئا للصدفة.
وماكرون لا يترك شيئا للصدفة بالفعل ويولي اهتماما فائقا لصورته، حتى اعتبره بعضهم كينيدي العصر الحديث مع ابتسامته المدروسة المليمترية وخطابه الهجومي. لكن الجانب الوحيد الذي لم يتمكن ماكرون من التنبؤ به هو الإشاعة التي استهدفت ميوله الجنسي مع رئيس راديو فرنسا، ماثيو جاليت، ربيع عام 2016، بحسب ما ورد في الكتاب.
إلا أن اتهام ألكسندر بنعلا بالاعتداء على زوجين خلال مظاهرات عام 2018 واستخدام جوازات سفر مزورة شكلت فضيحة وحرجا كبيرا لماكرون الذي يكره التجسس على كواليس سلطته. وبالتالي، كان يجب العثور على كبش فداء مثالي، وهو محافظ شرطة باريس آنذاك، ميشيل دلبوش، بحسب مؤلفَي الكتاب.
ويقول بيير موسكوفيشي، الذي تمت ترقيته إلى منصب المفوض الأوروبي في نوفمبر عام 2014: “لا يحبه الفرنسيون، ولا يعرفهم ولا يشبههم. لم نشهد مثل هذه الحكومة الضعيفة في ظل الجمهورية الخامسة”.
كما يذكر الكتاب في آخر صفحاته أنه في صيف عام 2021، تمكن ماكرون من تنفيذ 86 وعدا فقط من أصل 401. من الواضح أن تفشي الوباء أعاق تنفيذ جميع الوعود الرئاسية، ولكن بالنسبة للمرشح الذي وعد بإحداث “ثورة” في برنامجه الانتخابي قبل 4 سنوات، نحن بعيدون جدا عن تحقيق ذلك.
وحاول مؤلفا الكتاب تقديم خلاصة محورية للماكرونية التي أطلقا عليها اسم “الانتهازية” واعتبراها حركة لا يمكن تصنيفها لأن من يقودها “زعيم حرباء” شهم في شبابه، ومتطرف ليبرالي قبل عام 2017، مماطل وذو سيادة بعد الأزمة الصحية، مستشار ووزير الاقتصاد لرئيس اشتراكي، ثم رئيس دولة يعهدها إلى ماتينيون (مقر رئيس الوزراء) ومناصب رئيسية في حكومته المتعاقبة لشخصيات يمينية.
الجزيرة