أحيا البروفيسور حفيظ أوراغ، ليلة يوم الثلاثاء، آخر سهرات “ملتقى الأفكار” الرمضانية التي نظمتها جريدة “الفجر” بالتنسيق مع المتحف الوطني للزخرفة، المنمنمات وفن الخط بمقر المتحف قصر مصطفى باشا.
وتطرق المدير السابق للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي وهو أحد العلماء الجزائريين في الفيزياء المتحصل على أحد أعلى مؤشر هيرش وهو المعيار العالمي لتقييم العلماء،
إلى التحولات العميقة والمهمة جدا التي طرأت على العلم وطريقة تصور وفهم الانسان للعالم الذي يحيط به.
أمام جمهور متعدد المشارب، تطرق حفيظ أوراغ إلى أبجديات الوسائل العلمية وضوابطها لفهم الظواهر الحيوية كمفهوم القانون والنظرية ثم عرج نحو النموذج العلمي الجديد-القديم بما أنه بدأ يتبلور في بداية القرن العشرين والمتمثل في فيزياء الكم، وهو مجال قد يستوجب إعادة النظر في كل الابجديات والبديهيات العلمية التي عرفها الانسان حتى هذا القرن.
قال ستيفن واينبرغ الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء: «في اليوم الذي تكتشف فيه فيزياء الكم، لن تكون أبدًا كما كنت».
ففيزياء الكم هو ذلك العالم الساحر والغامض حيث قد يكون الشخص في مكانين مختلفين في وقت واحد، وحيث يصبح وجود كائن حقيقيًا بمجرد إمكانية ملاحظته.
ويكمن سحر ميكانيكا الكم أيضًا في القدرة على معرفة حالة نظام ما على الفور مهما كانت مسافته، بشرط أن يكون متشابكًا مع نظام كمي آخر قابل للقياس.
حتى لو كان عالم الكم هذا عالمًا متكونا من الاحتمالات والاهتزازات العابرة، لكنه عالم مبني وفق نظرية ما تزال تعطي النتائج والتنبؤات الأكثر دقة.
في الواقع، هذه الفيزياء هي التي جعلت من الممكن الحصول على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والليزر والهواتف الذكية.
هذا العالم الخيالي في تصوره حيث تختلف مفاهيم الزمان والمكان عن تلك التي عرفناها منذ قرون، يقودنا إلى إعادة النظر في فكرة الواقع.
هذه المحاضرة كانت رحلة تشابك فيها الوهم والواقع، والمصير والمصادفات، والإيمان والعلم.
أمام هذا الوضع الجديد الذي يفرض على الانسان تغيير ليس فقط نظرته على الواقع الذي يعيشه بل حتى في معتقداته وروحانياته.
فبين المادة والموجة، الوجود من عدمه ثم الاثنان في نفس الوقت، نظرية عدم الاكتمال والسببية، الصدفة والتشابك،
عرج البروفيسور أوراغ، بجمهوره على مدى توافق الدين، المعتقد و القرآن مع هذا العلم الحديث وركز على مفهوم القدر والارادة الحرة للإنسان.
وفي هذا الصدد ومرتكزا على المفاهيم التي تتيحها فيزياء الكم أعطى المحاضر مثالا مميزا حيث قال “تصور أنك جالس أمام تلفازك وفي يدك كوب شاي ففاجأتك صورة مفزعة، فانقلب المشروب الساخن عليك فصرخت وسمعك قطك فقفز وكسر الوعاء الزجاجي.
ولنتصور الان سيناريو ثاني : في هذه المرة، قفز القط فكسر الوعاء، باغثك الأمر فسكبت الشاي على ساقك وصرخت. في الحالتان، القدر كان أن تحترق ساقك وينكسر الوعاء، ولكن السبل لتحقيق هذا القدر كان مختلفا وهذا هو ما أتاحه الخالق للإنسان، حرية اختيار المسلك.
سميرعزوق