لا زالت تونس تصنع دائما الاستثناء بين الدول العربية والإسلامية، وها هو الرئيس قيس سعيد يسير بخطى ثابتة على أثار الرئيس السابق لعصره والسياسي المتنور لحبيب بورقيبة، الرجل الذي سار بتونس على طريق الرقي، حرر المرأة وحرر المجتمع التونسي من غبار التراث الفقهي الذي سجن المجتمعات الإسلامية في القرون الوسطى ومنع تحرير الفكر ليجاري متطلبات العصر.
قالها قيس سعيد بوضوح العبارة عندما رفض أن يدرج في مسودة الدستور التونسي المزمع التصويت عليه بعد أيام، عبارة الإسلام دين الدولة، وهو أستاذ القانون الدستوري، حيث قال أن الدول ليست لها ديانة، أما الإسلام فهو دين الأمة والأمة التونسية دينها الإسلام، الأمر الذي جلب له انتقادات من التيارات الأصولية التي التفت على الثورة التونسية، قبل أن تغرق تونس في الفساد والإرهاب، كما جلب له انتقادات اللجنة الدولية للخبراء القانونيين، وهي منظمة غير حكومية مقرها جنيف، وقال خبراء قانون أن هذا المبدأ ما هو إلا طريقة “تخرج الإسلام من الباب لتدخله من النافذة”.
موقف الرئيس التونسي هذا، ذكرني بالحملة الشرسة التي تعرضت لها السنة الماضية بعد الحوار الذي أجرته معي قناة “سكاي نيوز عربية” في برنامج “السؤال الصعب” مع الزميلة الإعلامية، فضيلة السويسي، التي سألتني قبيل التصويت على الدستور “إن كان الأمر بيدي فما المادة التي تلغينها من الدستور”، وأجبت بعفوية “مادة الإسلام دين الدولة، لأن الدين هو دين البشر والدولة ليس لها دين”، فقامت علي القيامة من طرف مواقع التواصل الاجتماعي ونشطاء التيار الأصولي وزملاء نصبوا أنفسهم حماة للدين الإسلامي، ونعتوني بكل الأوصاف وكفرني البعض وهدروا دمي، ولكن للأمانة ساندني الكثيرون وقالوا أنه حان الأوان لطرح هذه المادة للنقاش.
ولست هنا لأقارن نفسي برئيس جمهورية منتخب ديمقراطيا، وفوق هذا هو دكتور مختص في مادة القانون الدستوري التي درّسها لسنوات في الجامعة التونسية، ما يعطي لموقفه قوة، ولتوفره على الحجة والبرهان لدحض ادعاءات منتقديه، لكن ما قام به الرئيس التونسي بعيدا عن الانتقادات الأخرى الموجهة له تتهمه بأنه وسع من سلطاته الدستورية، مهم جدا ويجب أن يكون مثلا يحتذى به في العالم العربي والإسلامي، خاصة وأن المملكة العربية السعودية التي تعد رمز السلطة الدينية السنية، بدأت تسير هي الأخرى على طريق إصلاحي غير مسبوق في هذا بلد المنشأ للديانة الإسلامية، وعلى المجتمعات العربية والإسلامية أن تعطي لشعوبها فرصة التغيير ونفض الغبار عن التراث الديني المتشدد الذي سجن المسلمين في التخلف وحال دون تحرير الفكر وتجريم المفكرين وإعدامهم وحرق كتبهم، وصفحات التاريخ الإسلامي تسجل أبشع الجرائم المرتكبة في حق المفكرين الذين خرجوا عن سلطة رجل الدين، وما ابن رشد والحلاج إلا رمزان لضحايا الإرهاب الأصولي المبكر.
حدة حزام