تمنح الشهرة لصاحبها المكانة والسلطة الاجتماعية والرمزية، لتكون كلمته مؤثرة وسلاحا يمكن استعماله لصالح مجتمعه وشعبه والشعوب التي هي في حاجة إلى دعم معنوي ورمزي في نضالها ضد الظلم والفقر، وهذا ما قام به عدة كتاب معروفين جعلوا من شهرتهم سلاحا في سبيل سعادة الشعوب، ونذكر منهم الكاتب الكولومبي غارسيا ماركيز، والشاعر الفلسطيني محمود درويش والروائي والمسرحي الجزائري كاتب ياسين والكاتب مولود معمري والروائي التركي يشار كمال وغيرهم كثير، وهو ما نحتاجه اليوم من كتاب الجزائر الذين باتت لهم شهرة في أوساط الجمهور العريض في الجزائر وخارجها مثل أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج وكمال داود ومايسة باي وأمين الزاوي ورشيد بوجدرة.. إنّ معظم هؤلاء الكتاب وإن مارسوا بعض النقد ضد التيار الديني، إلا أنهم التزموا الصمت تجاه الفساد والانحراف السياسي ومظاهر الاستبداد، وظلوا يفضّلون النأي بأنفسهم عن إثارة القضايا التي تفضح المهيمنين على القرار وصناعة الشقاء الجزائري، بل ذهب بعضهم إلى الاعتناء بصورته والاهتمام بنفسه وكأنه نجم هوليودي، وهذا ما رأيناه في الحوار الأخير الذي أدلت به الكاتبة الجزائرية المقيمة في لبنان أحلام مستغانمي، حيث غلب الحديث عن نفسها وطغى على كل شيء دون أن يظهر منها ذلك النقد الموجه للذين جعلوا من بلدها بلدا متخلفا ومثيرا للشفقة والحزن.. لماذا كفّ الكتاب الجزائريين المشهورين عن أداء هذا الدور الذي تتطلبه منهم المكانة التي أحرزوا، وصاروا يتصرفون بشكل لا يتوافق مع الأفكار التي تنطوي عليها كتاباتهم وينادون إليها في أعمالهم الإبداعية؟! يعود ذلك في رأي بعضهم أنّ الظروف تغيّرت ولم تلق مثل هذه التأويلات لدور المثقف والكاتب في مسألة الالتزام معنى وصدى، فلقد ذهب مثل هذا التأويل مع الخمسينيات والستينيات وانهيار كل تلك الأحلام التحررية وعادت الوظيفة الأساسية للكاتب هي الكتابة لحد ذاتها، ويعتقد آخرون أنّ التراجع في ميدان الحريات وانتصار الرجعيات الجديدة والثورات المضادة أفرغت دلالة الموقف الملتزم من دلالته، وهذا ما انعكس على توجهات كتاب كانوا في السابق ملتزمين ولم يعودوا اليوم يؤمنون بهذا الدور، لكنني أعتقد أنّ من يروجون لمثل هذه التوجهات فهم في الحقيقة يبررون الانتكاسة التي أصابت الثقافة ودور المثقفين والكتاب في التغيير والدفاع عن الحقيقة والشرف، وتورط معظم هؤلاء في لعبة الفساد بقبولهم الرشوة من قبل الأنظمة في شكل تكريمات وجوائز، لقد التزم مثقفون الصمت تجاه اختراقات كبيرة للحريات، ودفنوا مثل النعامة رؤوسهم في الرمال، ولم يقولوا شيئا، لكن هذه الفترة التي سيطرت فيها مثل هذه الثقافة والتي تعكس الإفلاس، ليست إلا حقبة زائلة لأن الكتابة الحقيقية المنتصرة للمستقبل هي من ستحقّق نصرها وتجعل من كتابها منارة للأجيال، وقادة طلائعيين في كتابة التاريخ الحقيقي لا المزيّف.