يعود النقاش من جديد حول ما يسمى بحروب الجيل الرابع دون أن يتم شرح المصطلح الذي أصبح يردد دون حتى فهم من البعض، والغريب في الأمر أن الحروب من الجيل الرابع تجري أمام أعيننا بصفة يومية منذ سنوات ولا أحد يحرك ساكنا أو ينتبه لما يحدث للبلد، بعض وسائل الإعلام الخاصة وحتى العمومية تشارك في إشاعة الحرب الجديدة دون أن تنتبه، وكل هذا سببه عدم وضوح المقصود من حروب الجيل الرابع.
المفهوم الذي يردده الجميع يتعلق فقط بالوسيلة التي تستعمل في هذه الحروب وهي الانترنيت ولكن تعريف المفهوم عبر الوسيلة غير كافي لتحديده ثم رصد الوسائل لمواجهته، الحرب الجديدة هي أساسا استعمال التناقضات التي توجد في المجتمع وتأجيجها إلى حد التطاحن و الصراع و الاقتتال، و هنا يمكننا أن نقدم مثالا واضحا للعيان و قد ساهم فيه عن قصد أو عن غير قصد الكثير من المواطنين و الإعلاميين و المسؤولين الكبار في الدولة وهي قضية “الباديسية النوفمبرية” هذا المصطلح الذي اخترعه أحد أساتذة الجامعة حسب ما قاله هو عن شخصه، هذا الاختراع البائس يهدف إلى هدم تاريخ الثورة الجزائرية و التشويش عليها بقوة و إدخال الشك عند المواطن وتلويث ذاكرته بمصطلح لم يكن له وجود تاريخي أصلا بل هي تركيبة غريبة الأطوار تهدف إلى تزوير حقائق التاريخ الجزائري وخاصة تاريخ 1 نوفمبر العظيم الذي لا يحتاج إلى أي ضرة ليعيش في ذاكرة الجزائريين أو أية محاولة لإعادة تعريفه خارج ما حدده لنا الأباء الصانعين له والمفجرين للثورة التحريرية.
الأستاذ المبدع ارتكب جريمة مكتملة الأركان والغريب هو تصريحه بأنه سيعمل على اختراع مصطلحات أخرى بعد أن ضاعت منه براعة الاختراع الفكري “للباديسية النوفمبرية” حسب ما قاله على قناة تلفزيونية خاصة.
مصطلح ‘الباديسية النوفمبرية’ ومصطلحات أخرى ظهرت في المجتمع الجزائري تهدف إلى ضرب الذاكرة التاريخية ولن يتوقف هذا المسعى لأن حرب الجيل الرابع ليست مجرد نزهة بل عمل تقوم به مخابر متخصصة خارجية أو داخلية ثم يتم نشر أفكاره عبر وسائل الإعلام الجديدة وحتى التقليدية لينتشر كالنار في الهشيم، والأزمة أن الأمور تقع في وضح النهار أمام مرأى ومسمع جميع المسؤولين والمواطنين.
حرب الجيل الرابع هي حرب الأفكار والقناعات في إحدى جوانبها وهذا بارز مثلا عند حركة ‘الماك’ عندما صرح البريزيدان أن الجزائر هي صناعة فرنسية ولم تكن موجودة قبل ثم يردد له البريزيدان الفرنسي فكرته التافهة والقصد هو ضرب تاريخ الجزائر عبر الترويج للأكاذيب تطعن في وجودها وهي أيضا أحد الافكار التي بنى عليها المخزن المغربي حملته العدائية ضد الجزائر.
أغلب من تكلموا عن حروب الجيل الرابع يستندون فقط إلى طرق تنقلها ومن ثم انتشارها دون تحديد محتواها ويجب على السلطات أن تهتم بهذا الموضوع وهو تعريف المصطلح وتحديد محتوى حرب الجيل الرابع وليس بالاعتماد على الوسيلة التي تستعمل في نشره بل محتواها وهو أمر عاجل وضروري.
ومن هنا وجب العمل على حماية التاريخ الجزائري ضد أي جهة كانت التي تقوم بتزويره واستعمال سيء للرصيد التاريخي للجزائريين، كما وجب الانتباه لمراكز التفكير والجمعيات التي تدعي حماية التاريخ وهي تحرفه وتطعن فيه ليل نهار ولصالح الاستعمار.
حروب الجيل الرابع جزء منها يتركز حول حرب الأفكار والقناعات والتشكيك في تاريخ الأمة الجزائرية.
بروكسل لخضر فراط ـ صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي