سيثير قرار مجلس الوزراء الذي اعتمد اللغة الإنجليزية ابتداء من الطور الابتدائي مع الدخول المدرسي المقبل، والذي يعتبر خطوة هامة جدا بالنسبة لمستقبل النشء، جنون الكثيرين ممن يعانون من استلاب ثقافي وهوياتي، وحاربوا برامج التعريب، وعرقلوا كل القرارات المتخذة سابقا من أجل ترقية اللغة الإنجليزية في المقررات الدراسية.
لن أقول إن القرار جاء في أوانه، بل تأخر كثيرا، وليس للأمر علاقة بمحاربة اللغة الفرنسية في الجزائر، بل بتمكين الأجيال من اكتساب لغة العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي، والتي حتى فرنسا نفسها تسعى لترقيتها، لأنها لغة العلم والتواصل بين الشعوب في عصر التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت من العالم أصغر من قرية، بل وضعت العالم على شساعته وتنوعه الثقافي والفكري في جهاز هاتف محمول، ما جعل ترقية تدريس الإنجليزية ضرورة لا مفر منها فرضتها العولمة.
القرار ذكرني بما رواه الروائي الفرنسي اللبناني، أمين معلوف، وعضو الأكاديمية الفرنسية، في روايته “أصول”، كيف أسس جده في إحدى القرى اللبنانية نهاية القرن التاسع عشر مدرسة لتعليم اللغات، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، وكيف كان جده يصر على تدريس هذه اللغة ويقول عنها وقتها إنها لغة المستقبل.
وها هي الإنجليزية اليوم اللغة العالمية الأولى، لغة العلم والتجارة والتواصل بين الشعوب، مثلما ذكرت، وقد تأخرنا بأزيد من قرن عن رؤية آل معلوف السابقة لعصرها، لكن بالنظر إلى الوضع الحالي الذي يعيشه لبنان من أزمات سياسية وصراعات على الهوية رغم تمكن شعبه من اللغات الثلاث العربية والفرنسية والانجليزية، فالخروج من التخلف والنهوض بالمنظومة التربوية لا يعتمد على لغة أو أخرى، على الرغم مما لإدراج الإنجليزية في المنظومة التربوية وترقيتها من أهمية.
فحل المشاكل التي تعاني منها المدرسة الجزائرية بحاجة للعديد من القرارات الجريئة، مثل تلك التي اتخذها ابن سلمان في المملكة السعودية لتحرير المنظومة التربوية من الفكر السلفي وترقية تدريس الفلسفة وتحرير الفكر والابداع، وحل مشكل الهوية الذي يتخذه البعض وسيلة ضغط وابتزاز.
فبدون تحرير الفكر وتطبيق نماذج تعليمية حديثة بتجنب التلقين، وتوفير وسائل التعليم وتكوين الإطار، كما ونوعا، لن تصنع اللغة الإنجليزية الفارق المرجو منها، لأن القرار لا يعني استبدال لغة بأخرى بقدر ما هو سبيل لرفع مستوى التحصيل العلمي والفكري للأجيال.
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا القرار، الذي يجب تثمينه والسهر على تطبيقه بإزالة كل العراقيل التي حالت دون ترقيه لغة شكسبير قبل اليوم، هل تتوفر المدرسة الجزائرية على الإطار الكافي من أجل إنجاح هذا المسعى، والأمر لا يخص فقط المناطق الحضرية الكبرى، بل أيضا مناطق الجنوب الشاسعة التي ما زالت حتى الآن تفتقر للعدد الكافي لتعليم اللغة الفرنسية مثلا، وحتى العربية؟
حدة حزام