في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الأسطول البحري الجزائري وتقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية في مجال نقل البضائع، أعلنت شركة "مدار البحرية" عن شروعها في إجراءات اقتناء ثلاث سفن جديدة، اثنتان منها سيتم اقتناؤهما خلال سنة 2025، في حين سيتم استكمال العملية بسفينة ثالثة لاحقًا.
تأسست شركة "مدار البحرية" في أغسطس 2024 برأس مال يقدر بـ 4 مليارات دينار جزائري، كفرع تابع للمجمع العمومي "مدار". ومنذ إطلاقها، وضعت الشركة هدفًا رئيسيًا يتمثل في تعزيز النقل البحري الوطني وتقليل التبعية للأسطول الدولي، خاصة في مجال نقل البضائع السائبة، التي تشمل الكلينكر، الفوسفات، الحبوب، والمواد الأولية الأخرى الضرورية للصناعات الجزائرية.
وفي هذا السياق، صرح علي أوراك، الرئيس المدير العام للشركة، على هامش الندوة الدولية للاقتصاد البحري التي نظمتها "مركز التجارة العالمي الجزائر" بدعم من "التجارة العالمية"، أن السوق الجزائرية بحاجة إلى ست سفن على الأقل لتغطية الطلب على نقل البضائع السائبة، وهو ما دفع "مدار البحرية" إلى الشروع في إجراءات اقتناء أول سفينتين خلال 2025، مع التخطيط لاقتناء سفينة إضافية في وقت لاحق.
وأوضح أوراك أن السفن الجديدة ستُستخدم في المرحلة الأولى لنقل السلع التي تنتجها مصانع المجمع والموجهة للتصدير، مما يتيح للمؤسسات الجزائرية تصدير منتجاتها بأسعار نقل تنافسية، بدلًا من الاعتماد على شركات الشحن الأجنبية. كما ستساهم السفن في تغطية جزء من احتياجات الاستيراد الجزائرية، التي يتم تلبيتها حاليًا بشكل شبه كلي من قبل الناقلين الدوليين.
وأضاف أن الشركة تطمح مستقبلاً إلى توسيع نشاطها ليشمل اقتناء سفن حاويات، مما سيمكنها من تقديم خدمات أوسع للمصدرين الجزائريين، ويسهل عمليات التصدير نحو الأسواق العالمية. كما تسعى "مدار البحرية" إلى ضمان رحلات بحرية منتظمة بين الجزائر والأسواق الخارجية، مما سيعزز التبادل التجاري ويقلل التكاليف على المصدرين المحليين.
من المعروف أن الجزائر تعتمد بشكل كبير على السفن الأجنبية لنقل بضائعها، وهو ما يشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا بسبب التكاليف العالية للنقل وتأثير ذلك على القدرة التنافسية للصادرات الجزائرية. كما أن تقلبات السوق العالمية يمكن أن تؤثر سلبًا على قدرة الجزائر على تأمين احتياجاتها الاستيرادية في بعض الفترات.
لذلك، فإن تعزيز الأسطول الوطني بسفن جديدة سيساهم في تخفيض تكاليف النقل وتحقيق نوع من الاستقلالية في مجال الشحن البحري. ويرى خبراء الاقتصاد البحري أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في قطاع النقل البحري الجزائري، خاصة إذا نجحت "مدار البحرية" في تنفيذ خططها التوسعية بالشكل المطلوب.
يأتي هذا التوجه في إطار رؤية الجزائر لتعزيز سيادتها الاقتصادية وتطوير بنيتها التحتية البحرية، وهو ما يتماشى مع سياسات الحكومة الرامية إلى دعم الصناعة الوطنية وزيادة الصادرات خارج قطاع المحروقات.
كما أن استثمار "مدار البحرية" في السفن الجديدة يعكس توجهًا استراتيجيًا لتطوير قطاع النقل البحري، والذي يعد ركيزة أساسية لأي اقتصاد يعتمد على التبادل التجاري مع الأسواق الخارجية.